في زمنٍ تتشابك فيه التحديات وتضيق فيه فسحات الأمل، يطلّ من بين صفوف الناشئة صوتٌ مفعم بالحكمة والوعي والانتماء، صوت الشبل شلال الشعيبي، الذي استطاع أن يخطف الأنظار ويأسر القلوب بأسلوبه البليغ وحضوره اللافت.
لم يكن حضوره مجرد مشهد طفولي جميل، بل دلالة رمزية على وعيٍ متقدٍ يولد من رحم الجنوب، وامتدادٍ لجيلٍ جديد يعبّر بثقة عن ذاته وهويته وقضيته.
الموهبة التي تنطق باسم الجنوب
يتميّز الشبل شلال الشعيبي بخطابٍ ناضجٍ يعلو فوق سنوات عمره، فحديثه يحمل نغمة الفطرة وصدق الإحساس، ونبرته تجمع بين الجرأة الأدبية والبراءة الطفولية.
حين يتحدث، تتوقف الضوضاء، لأن كلماته لا تصدر عن تلقينٍ أو حفظٍ جامد، بل عن إحساسٍ حقيقي بالانتماء، ينعكس في طريقته وملامحه وثقته أمام الجمهور.
في مناسبات افتتاح المجمع التربوي بالشعيب، اعتلى شلال المنصة ليتحدث أمام الرئيس الزُبيدي بلغةٍ قويةٍ وواثقة عن حب الوطن وقيم العطاء، فكان صوته الصغير أشد تأثيرًا من خطب الكبار، وكأن روحه تستحضر تاريخًا نضاليًا طويلًا عاشه الجنوب، وتحمله الأجيال بكرامةٍ ووعيٍ ومسؤولية.
استثمار تربوي في وعي الأجيال
تؤكد منصة العين الثالثة أن دعم مثل هذه المواهب لا يُعد ترفًا تربويًا، بل استثمارًا حقيقيًا في المستقبل، فالموهبة عندما تُكتشف مبكرًا، وتُرعى ضمن بيئةٍ تعليميةٍ محفزة، تتحوّل إلى طاقةٍ إيجابيةٍ قادرة على صنع الفرق في المجتمع.
إن تنمية مهارات الخطابة والفكر والتعبير لدى الناشئة هي حجر الأساس لبناء جيلٍ قادرٍ على الحوار، مؤمنٍ بقيمه، ومحصّنٍ ضد الجهل والتطرف، ولعل تجربة الشبل شلال تذكّرنا بأن الاهتمام بالأطفال الموهوبين ليس واجبًا ثقافيًا فقط، بل مسؤولية وطنية، فهؤلاء الصغار هم الذين سيحملون راية الجنوب في المستقبل القريب.
هويةٌ تتجذر في الوعي
تجسد موهبة شلال الشعيبي الانتماء الجنوبي في أنقى صوره، فحين ينطق الطفل بلهجةٍ واثقةٍ تعبّر عن حب الوطن، فإنه لا يؤدي دورًا، بل يترجم إحساسًا فطريًا بالهوية، ورغبةً صادقة في الانتماء إلى الأرض والناس والتاريخ.. هذا الوعي المبكر يعكس التحولات الاجتماعية التي يشهدها الجنوب، حيث بدأ الجيل الجديد يستعيد ثقةً راسخة بقضيته وعدالتها، بعيدًا عن الخوف أو التردّد.
وفي هذا السياق، يرى محللون تربويون أن مثل هذه النماذج تمثل نقطة تحول في وعي المجتمع الجنوبي، لأنها تنقل الانتماء من دائرة الشعارات إلى دائرة الفعل والتجسيد العملي.
رسالة من طفل لكل الجنوب
ما يقدمه شلال ليس مجرد أداءٍ لغويٍّ جميل، بل رسالة وعيٍ اجتماعي وسياسي تتجاوز حدود الطفولة، إنه يذكّر الجميع بأن بناء الأوطان يبدأ من المدارس، ومن قصص الأطفال الذين يتعلمون النطق باسم الجنوب قبل أن يتعلموا الكتابة، ولذلك، فإن كل دعمٍ لموهبةٍ صغيرةٍ هو في جوهره موقف وطني يعزز الهوية ويحمي المستقبل.
العين الثالثة.. رؤية ما وراء الصورة
تقول العين الثالثة إن ظاهرة الشبل شلال الشعيبي تمثل انعكاسًا لمرحلة جديدة من الوعي الجنوبي، حيث يتنامى الإحساس بالهوية بين الأطفال، لا كواجبٍ تلقيني، بل كقناعةٍ وجدانيةٍ تُزرع في القلوب.
وتضيف العين الثالثة في تحليلها أن هذا النموذج يستحق الدراسة والدعم الإعلامي والتربوي، لأنه يجمع بين القيم الثقافية والتربوية والوطنية في صورةٍ واحدةٍ مشرقة، فبينما يتحدث كثيرون عن "جيلٍ ضائع"، يبرهن شلال الشعيبي وأقرانه أن الجنوب لا يفقد أبناءه المخلصين، بل يُنبتهم من جديد في كل جيلٍ بوعيٍ أشد وصفاءٍ أكبر.
المستقبل يبدأ من هنا
في زمنٍ يعاني فيه التعليم من التراجع، والثقافة من الإهمال، تبرز أمثلة مثل شلال لتذكّر الجميع بأن الأمل لا يُفقد، وأن الاستثمار في العقول الصغيرة هو الطريق الأصدق لبناء وطنٍ كبير.. إنها لحظة يجب أن تُستثمر، لا بالتصفيق فقط، بل بخططٍ تربويةٍ تعزز المواهب، وبرامج إعلاميةٍ تُبرز النماذج المضيئة بدل ضوضاء التفاهة.
الشبل شلال الشعيبي ليس مجرد طفلٍ بليغ، بل رمزٌ مبكرٌ لنهضة الجنوب الجديدة، التي تبنى على الوعي لا على الصدفة، وعلى الانتماء لا على الشعارات.. صوته الصغير يفتح أفقًا واسعًا لمستقبلٍ أكثر إشراقًا، ويؤكد أن الجنوب، مهما اشتدت العتمة من حوله، لا يزال ينجب الضوء.