آخر تحديث :الجمعة - 09 مايو 2025 - 03:15 ص

أغاني فيصل علوي وعلاقتها بإيقاع الروح والجسد دراسة في التفاعل الحسي والحركي بين الفن الشعبي الجنوبي والإنسان

الجمعة - 09 مايو 2025 - الساعة 01:56 ص

د. صبري عفيف العلوي
الكاتب: د. صبري عفيف العلوي - ارشيف الكاتب



جمعتنا مكالمة هاتفية قصيرة مع الأخ العزيز باسل علوي فيصل والدكتور عباس الزامكي، وكان محور الحديث: لماذا تبدو أغاني فيصل علوي دائمًا جديدة ومتجددة؟ فعندما تستمع إليها، تشعر وكأنك تسمعها للمرة الأوّلى.
كما طُرح سؤال آخر: لماذا تأتي الاستجابة السريعة من الروح والجسد مع الأغنية "الفصيلية"؟ بل الأجمل من ذلك، أن النقاش تطوّر ليشمل سؤالًا أكثر عمقًا: لماذا تبدو باقي الأغاني غير متجددة؟ وما يُعدّ منها متجددًا غالبًا ما يرتبط بأوقات معينة؛ فمثلًا أغاني فيروز تُرتبط ببداية الصباح، وأغاني أم كلثوم تُرتبط بحالة مزاجية خاصة، لا سيما في أوقات متأخرة من الليل. بينما فناننا الكبير، فيصل علوي، تتميز أغانيه بأنها نافذة مفتوحة للروح والجسد في كل وقت، ولا تُقيدها لحظة أو مناسبة معينة.
من هذا المنطلق، بادرنا بكتابة هذا العنوان تمهيدًا لتناوله في دراسة علمية مستفيضة تتناول هذه الظاهرة في أغاني فيصل علوي دون غيره. وقد دفعتنا إلى ذلك جملة من المسوغات، أهمها أن أغاني فيصل علوي تميّزت بإيقاعها المبهج وكلماتها البسيطة، وشكّلت عبر عقود طويلة مادة خصبة للرقص الشعبي، الجماعي والفردي، في الأعراس والمناسبات الاجتماعية.
وفي هذا السياق، تبرز أهمية دراسة العلاقة بين هذه الأغاني وإيقاع الجسد البشري من زوايا فنية ونفسية واجتماعية. فالموسيقى ليست مجرد فن سمعي، بل هي منظومة متكاملة تُحرّك الوجدان والعقل والجسد. وفي هذا السياق، يُعدّ الفنان فصيل علوي ظاهرة استثنائية، استطاع خلال مسيرته أن يُنتج أغاني تتجاوز حدود التسلية، لتتحول إلى أدوات تفاعل جسدي واجتماعي. ومن خلال تركيزه على الإيقاع الشعبي واللحن المتكرر، أصبحت أغانيه مادة رئيسية في الأعراس والمناسبات، تشعل الحماس وتحرك الأجساد بشكل تلقائي.
هذا البحث يحاول تحليل تلك العلاقة بين أغاني فيل علوي وإيقاع الجسد من زوايا متعددة: موسيقية، نفسية، ثقافية، وسوسيولوجية. فـ"الإيقاعات المنتظمة، كما في الموسيقى الشعبية، تُثير نشاطًا حركيًا في الدماغ حتى دون حركة فعلية، وهو ما يُعرف بـ'الرغبة اللاواعية في الرقص'."
عند سماع أغنية فصيل علوي، يتفاعل الحضور بشكل جماعي مع الإيقاع، حيث يحدث الرقص الجماعي العفوي، الذي يشمل التصفيق، الدوران، والخطوات الراقصة المنتظمة. هذا التفاعل لا يقتصر فقط على الحركة الجسدية، بل يتعداها إلى الفوائد النفسية والاجتماعية التي تساهم في تفريغ الضغوط النفسية، وتعزيز الانتماء والهوية الثقافية، فضلاً عن تعزيز المشاركة الوجدانية بين الأفراد. الرقص الجماعي يعكس الشعور بالاتصال المتبادل بين المشاركين، ويعزز التجربة الجماعية المتكاملة.
يشير الباحث د. صالح باصره إلى أن فيصل علوي لم يكن مجرد مغنٍ، بل أسس مدرسة لحجية موسيقية تركز على التفاعل الجسدي والاجتماعي للمجتمع مع فنه. كما تقول الباحثة د. نجاة علي، إن الإيقاع اللحجي في الموسيقى الجنوبية يعتبر نبضًا اجتماعيًا، ولا يحتاج الجسد سوى لحظة قصيرة للانتقال إلى حالة الرقص التلقائي. وهذا يتماشى مع ما ذكرته دراسة نشرت في مجلة Nature Neuroscience عام 2014، التي أظهرت أن الإيقاعات المنتظمة تُثير نشاطًا حركيًا في الدماغ حتى دون حركة فعلية، وهو ما يُعرف بالرغبة اللاواعية في الرقص. كما أن الإيقاع اللحجي 4/4 يُعدّ من أبسط وأقوى الإيقاعات التي تُستخدم عالميًا لتحفيز الرقص الشعبي. يتنبأ المستمع بالنغمة التالية في الإيقاع، ما يخلق نوعًا من الانسجام الذهني والجسدي بين المستمع والموسيقى، وهو ما يُعرف في علم الأعصاب بـ "Predictive Coding in Musical Entrainment".
الرقص الجماعي كتعبير عن الهوية يتمثل في استخدام أغاني فيصل علوي في العديد من المناسبات الاجتماعية والثقافية التي تبرز فيها الهوية الجماعية مثل الأعراس، الاحتفالات المدرسية، المناسبات الوطنية، والملتقيات الشعبية. تُرافق هذه الأغاني رقصة جماعية تشمل رقصة "الشرح اللحجي" التي تخص الرجال و"الدان العدني" التي يؤديها كل من الرجال والنساء، بالإضافة إلى التصفيق المتناغم الذي يبدأ مع الإيقاع ويستمر حتى نهاية الأغنية. هذا التفاعل الجسدي والاجتماعي يساهم في تعزيز الروابط الثقافية والهوية الجماعية.
عندما يبدأ الجمهور بالاستماع إلى أغاني فصيل علوي، يدخل في حالة نشوة جماعية حيث يتحرك الجسد بشكل تلقائي استجابة للإيقاع دون وعي. تُظهر هذه الاستجابة الحركية عدة أشكال مثل الانحناءات المتكررة، الالتفاف الدائري، تمايل الأكتاف، والتصفيق السريع. هذا النوع من الاستجابة يتفق مع ما توصل إليه الطبيب النفسي أوليفر ساكس في كتابه "Musicophilia" (2007)، حيث أكد أن "الرقص الجماعي على إيقاع ثابت يُحرّر الجسد من القيد النفسي ويُعيد توازنه مع الذات".
أغاني فيصل علوي تتجاوز كونها فنًا سمعيًا لتصبح حدثًا حسيًا وجسديًا واجتماعيًا متكاملًا. الإيقاع المنتظم والمتكرر يُحرّك الجسد عبر آليات عصبية ونفسية دون وعي مباشر. التفاعل مع هذه الأغاني لا يقتصر على الرقص، بل يشمل أبعادًا ثقافية، اجتماعية، وعلاجية. من الضروري حفظ هذا التراث وتحليله علميًا لفهم العلاقة العميقة بين الفن الشعبي والإيقاع الحيوي الإنساني، وتمتين الروابط بين الموسيقى والهوية المجتمعية. أغاني فيصل علوي الراقصة ليست مجرد أداء صوتي، بل هي حدث جسدي اجتماعي يشعل التفاعل بين الأفراد ويعزز الروابط الثقافية. الجسد يستجيب لهذه الأغاني بفعل التركيب الإيقاعي النفسي الحيوي، حيث تُحفز الإيقاعات المنتظمة الأجسام على التفاعل الحركي التلقائي. هذا الفن لا يقتصر على التسجيلات الصوتية، بل ينبعث في الجسد البشري كلما سُمِع، ما يخلق تأثيرًا حيويًا يتعدى الإدراك الواعي. من المهم حفظ هذا التراث وتحليله علميًا لتعزيز فهمنا العميق للعلاقة بين الفن الشعبي والإيقاع الحيوي الإنساني، إذ يسهم ذلك في توثيق وإحياء هذه الظاهرة الثقافية الغنية.
للدراسة بقية ....
أغاني فيصل علوي وعلاقتها بإيقاع الروح والجسد
دراسة في التفاعل الحسي والحركي بين الفن الشعبي الجنوبي والإنسان

د. صبري عفيف العلوي

جمعتنا مكالمة هاتفية قصيرة مع الأخ العزيز باسل علوي فصيل والدكتور عباس الزامكي، وكان محور الحديث: لماذا تبدو أغاني فصيل علوي دائمًا جديدة ومتجددة؟ فعندما تستمع إليها، تشعر وكأنك تسمعها للمرة الأوّلى.
كما طُرح سؤال آخر: لماذا تأتي الاستجابة السريعة من الروح والجسد مع الأغنية "الفصيلية"؟ بل الأجمل من ذلك، أن النقاش تطوّر ليشمل سؤالًا أكثر عمقًا: لماذا تبدو باقي الأغاني غير متجددة؟ وما يُعدّ منها متجددًا غالبًا ما يرتبط بأوقات معينة؛ فمثلًا أغاني فيروز تُرتبط ببداية الصباح، وأغاني أم كلثوم تُرتبط بحالة مزاجية خاصة، لا سيما في أوقات متأخرة من الليل. بينما فناننا الكبير، فصيل علوي، تتميز أغانيه بأنها نافذة مفتوحة للروح والجسد في كل وقت، ولا تُقيدها لحظة أو مناسبة معينة.
من هذا المنطلق، بادرنا بكتابة هذا العنوان تمهيدًا لتناوله في دراسة علمية مستفيضة تتناول هذه الظاهرة في أغاني فصيل علوي دون غيره. وقد دفعتنا إلى ذلك جملة من المسوغات، أهمها أن أغاني فصيل علوي تميّزت بإيقاعها المبهج وكلماتها البسيطة، وشكّلت عبر عقود طويلة مادة خصبة للرقص الشعبي، الجماعي والفردي، في الأعراس والمناسبات الاجتماعية.
وفي هذا السياق، تبرز أهمية دراسة العلاقة بين هذه الأغاني وإيقاع الجسد البشري من زوايا فنية ونفسية واجتماعية. فالموسيقى ليست مجرد فن سمعي، بل هي منظومة متكاملة تُحرّك الوجدان والعقل والجسد. وفي هذا السياق، يُعدّ الفنان فصيل علوي ظاهرة استثنائية، استطاع خلال مسيرته أن يُنتج أغاني تتجاوز حدود التسلية، لتتحول إلى أدوات تفاعل جسدي واجتماعي. ومن خلال تركيزه على الإيقاع الشعبي واللحن المتكرر، أصبحت أغانيه مادة رئيسية في الأعراس والمناسبات، تشعل الحماس وتحرك الأجساد بشكل تلقائي.
هذا البحث يحاول تحليل تلك العلاقة بين أغاني فصيل علوي وإيقاع الجسد من زوايا متعددة: موسيقية، نفسية، ثقافية، وسوسيولوجية. فـ"الإيقاعات المنتظمة، كما في الموسيقى الشعبية، تُثير نشاطًا حركيًا في الدماغ حتى دون حركة فعلية، وهو ما يُعرف بـ'الرغبة اللاواعية في الرقص'."
عند سماع أغنية فصيل علوي، يتفاعل الحضور بشكل جماعي مع الإيقاع، حيث يحدث الرقص الجماعي العفوي، الذي يشمل التصفيق، الدوران، والخطوات الراقصة المنتظمة. هذا التفاعل لا يقتصر فقط على الحركة الجسدية، بل يتعداها إلى الفوائد النفسية والاجتماعية التي تساهم في تفريغ الضغوط النفسية، وتعزيز الانتماء والهوية الثقافية، فضلاً عن تعزيز المشاركة الوجدانية بين الأفراد. الرقص الجماعي يعكس الشعور بالاتصال المتبادل بين المشاركين، ويعزز التجربة الجماعية المتكاملة.
يشير الباحث د. صالح باصره إلى أن فصيل علوي لم يكن مجرد مغنٍ، بل أسس مدرسة لحجية موسيقية تركز على التفاعل الجسدي والاجتماعي للمجتمع مع فنه. كما تقول الباحثة د. نجاة علي، إن الإيقاع اللحجي في الموسيقى الجنوبية يعتبر نبضًا اجتماعيًا، ولا يحتاج الجسد سوى لحظة قصيرة للانتقال إلى حالة الرقص التلقائي. وهذا يتماشى مع ما ذكرته دراسة نشرت في مجلة Nature Neuroscience عام 2014، التي أظهرت أن الإيقاعات المنتظمة تُثير نشاطًا حركيًا في الدماغ حتى دون حركة فعلية، وهو ما يُعرف بالرغبة اللاواعية في الرقص. كما أن الإيقاع اللحجي 4/4 يُعدّ من أبسط وأقوى الإيقاعات التي تُستخدم عالميًا لتحفيز الرقص الشعبي. يتنبأ المستمع بالنغمة التالية في الإيقاع، ما يخلق نوعًا من الانسجام الذهني والجسدي بين المستمع والموسيقى، وهو ما يُعرف في علم الأعصاب بـ "Predictive Coding in Musical Entrainment".
الرقص الجماعي كتعبير عن الهوية يتمثل في استخدام أغاني فصيل علوي في العديد من المناسبات الاجتماعية والثقافية التي تبرز فيها الهوية الجماعية مثل الأعراس، الاحتفالات المدرسية، المناسبات الوطنية، والملتقيات الشعبية. تُرافق هذه الأغاني رقصة جماعية تشمل رقصة "الشرح اللحجي" التي تخص الرجال و"الدان العدني" التي يؤديها كل من الرجال والنساء، بالإضافة إلى التصفيق المتناغم الذي يبدأ مع الإيقاع ويستمر حتى نهاية الأغنية. هذا التفاعل الجسدي والاجتماعي يساهم في تعزيز الروابط الثقافية والهوية الجماعية.
عندما يبدأ الجمهور بالاستماع إلى أغاني فصيل علوي، يدخل في حالة نشوة جماعية حيث يتحرك الجسد بشكل تلقائي استجابة للإيقاع دون وعي. تُظهر هذه الاستجابة الحركية عدة أشكال مثل الانحناءات المتكررة، الالتفاف الدائري، تمايل الأكتاف، والتصفيق السريع. هذا النوع من الاستجابة يتفق مع ما توصل إليه الطبيب النفسي أوليفر ساكس في كتابه "Musicophilia" (2007)، حيث أكد أن "الرقص الجماعي على إيقاع ثابت يُحرّر الجسد من القيد النفسي ويُعيد توازنه مع الذات".
أغاني فصيل علوي تتجاوز كونها فنًا سمعيًا لتصبح حدثًا حسيًا وجسديًا واجتماعيًا متكاملًا. الإيقاع المنتظم والمتكرر يُحرّك الجسد عبر آليات عصبية ونفسية دون وعي مباشر. التفاعل مع هذه الأغاني لا يقتصر على الرقص، بل يشمل أبعادًا ثقافية، اجتماعية، وعلاجية. من الضروري حفظ هذا التراث وتحليله علميًا لفهم العلاقة العميقة بين الفن الشعبي والإيقاع الحيوي الإنساني، وتمتين الروابط بين الموسيقى والهوية المجتمعية. أغاني فصيل علوي الراقصة ليست مجرد أداء صوتي، بل هي حدث جسدي اجتماعي يشعل التفاعل بين الأفراد ويعزز الروابط الثقافية. الجسد يستجيب لهذه الأغاني بفعل التركيب الإيقاعي النفسي الحيوي، حيث تُحفز الإيقاعات المنتظمة الأجسام على التفاعل الحركي التلقائي. هذا الفن لا يقتصر على التسجيلات الصوتية، بل ينبعث في الجسد البشري كلما سُمِع، ما يخلق تأثيرًا حيويًا يتعدى الإدراك الواعي. من المهم حفظ هذا التراث وتحليله علميًا لتعزيز فهمنا العميق للعلاقة بين الفن الشعبي والإيقاع الحيوي الإنساني، إذ يسهم ذلك في توثيق وإحياء هذه الظاهرة الثقافية الغنية.
للدراسة بقية ....




شاهد أيضًا

"ثورة النسوان" في عدن.. دعوات لتظاهرة نسوية احتجاجًا على انق ...

الجمعة/09/مايو/2025 - 03:15 ص

دعا ناشطون اجتماعيون في العاصمة عدن النساء للمشاركة في تظاهرة سلمية تحت شعار "ثورة النسوان"، وذلك احتجاجًا على أزمة انقطاع التيار الكهربائي التي أثقلت


تعيين نواب وزراء لخمس وزارات في إطار هيكلة السلطة التنفيذية ...

الخميس/08/مايو/2025 - 11:40 م

أصدر رئيس مجلس القيادة الرئاسي، د. رشاد العليمي، اليوم الخميس، قرارًا جمهوريًا بتعيين نواب لوزراء في خمس وزارات رئيسية، شملت العدل، الشؤون القانونية و


جدل واسع حول تسليم قطاع نفطي بشبوة لشركة مثيرة للريبة.. واته ...

الخميس/08/مايو/2025 - 11:08 م

أثارت وثيقة متداولة، منسوبة إلى الشركة اليمنية للاستثمارات النفطية والمعدنية (وايكم)، موجة استنكار وغضب في الأوساط السياسية والاقتصادية، على خلفية ما


القضاء ينتصر للأكاديميا ضد القمع الإداري.. محكمة تُلغي قرار ...

الخميس/08/مايو/2025 - 02:00 م

في تطور قضائي لافت، أصدرت المحكمة الإدارية في عدن حكمًا بإلغاء القرار الصادر عن مجلس جامعة عدن، والذي قضى بتحويل الدكتور خليل إبراهيم الكاف، الأستاذ ف