بدأت العاصمة عدن تشهد تحوّلاً لافتاً في مؤشرات أسعار الصرف، مع تسجيل انخفاض تدريجي في قيمة العملات الأجنبية أمام الريال اليمني، وهي إشارات إيجابية برزت عقب اللقاء الحاسم الذي ترأسه الرئيس القائد عيدروس قاسم الزُبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي، مع اللجنة العليا للموارد السيادية والمحلية.
هذا التراجع في أسعار الصرف، بحسب ما رصدته "العين الثالثة"، لم يكن مجرد مصادفة، بل انعكاس مباشر لمجموعة من التوجيهات والإجراءات التي خرج بها اجتماع اللجنة يوم الإثنين الماضي في العاصمة عدن، والذي تناول بعمق الوضع المالي والاقتصادي، ومستوى أداء المؤسسات الإيرادية، وآليات تفعيلها بشكل مستدام.
تحوّلات جوهرية في الخطاب الاقتصادي
في الاجتماع الذي وصفته "العين الثالثة" بأنه الأهم منذ أشهر، أعاد الرئيس الزُبيدي ضبط البوصلة الاقتصادية، متوجهاً نحو تعزيز السيادة المالية للدولة وتفعيل أدوات الرقابة والشفافية، بما يضمن تقليص العجز وتحفيز الإيرادات من مصادرها المتنوعة، وفي مقدمتها الضرائب والجمارك.
وبحسب التقرير المقدم من وزارة المالية، فإن حجم العجز في الموازنة العامة بلغ مستويات غير مسبوقة، الأمر الذي دفع الرئيس الزُبيدي إلى الدعوة العاجلة لتجاوز الحلول المؤقتة، والانتقال إلى مسار الإصلاحات البنيوية، التي تضمن تعافي الدولة اقتصاديًا لا مجرد إسعافها آنياً.
مصافي عدن على طاولة القرار
من النقاط المحورية التي سلط الاجتماع الضوء عليها، وضع شركة مصافي عدن، التي تمثل – وفق وصف التقرير – حجر الزاوية في معادلة التعافي الاقتصادي الجنوبي، بحيث تم الاتفاق على بدء خطوات تشغيلية عاجلة لتكرير نحو 6000 برميل يوميًا من النفط الخام، مع خطة تدريجية للوصول إلى كامل الطاقة الإنتاجية للمصفاة، ما سيقلل من الاعتماد على الوقود المستورد ويخفف الضغط على العملة الوطنية.
تابعت "العين الثالثة" تصريحات بعض الحاضرين، الذين اعتبروا أن هذه التوجيهات قد تُشكّل منعطفاً اقتصادياً مهماً إذا ما جرى تنفيذها فعلياً، لا سيما وأن المصفاة تمثل موردًا حيويًا وفرصة اقتصادية نادرة لإحداث اختراق في أزمة الوقود والكهرباء التي تعصف بالمواطنين في عدن وسواها.
خطة إنقاذ للكهرباء.. وتوجيهات صارمة
الاجتماع لم يغفل واحدة من أكثر الأزمات إلحاحاً، وهي أزمة الوقود التي تهدد استمرارية تشغيل محطات الكهرباء في عدن وحضرموت وسائر المحافظات المحررة، وعلى هذا الصعيد، أصدر الزُبيدي توجيهات حازمة للبنك المركزي بتوفير السيولة اللازمة لاستيراد شحنة عاجلة من الوقود، كما ألزم وزارة النفط بتوفير كميات كافية من الإنتاج المحلي لمحطات الكهرباء.
وتقول "العين الثالثة" إن هذه الخطوة إذا تم تنفيذها فعلياً، ستكون بمثابة طوق نجاة للخدمة الكهربائية التي باتت على حافة الانهيار في بعض المناطق، خصوصًا مع ارتفاع درجات الحرارة وزيادة الطلب على التيار الكهربائي.
إصلاحات هيكلية وتوصيات حاسمة
ركزت النقاشات على ضرورة إعادة تنظيم البُنية الإدارية للمؤسسات الإيرادية، وتوسيع قاعدة التحصيل، وتفعيل أجهزة الرقابة والمتابعة، في خطة تنفيذية شاملة تغطي النصف الثاني من العام 2025.
الرئيس الزُبيدي شدّد في الاجتماع على أن الوضع لم يعد يحتمل التراخي أو البيروقراطية، وأن "القرارات الجريئة" باتت ضرورة لا خياراً، داعياً إلى التنسيق والتكامل بين المؤسسات، ورسم خارطة طريق واضحة المعالم مبنية على البيانات لا التقديرات.
توصيات نحو الاستدامة المالية
وخلص الاجتماع إلى حزمة من التوصيات التنفيذية، شملت إعداد خطة زمنية مزمنة تتضمن إجراءات عملية ومؤشرات أداء واضحة، تهدف إلى رفع كفاءة التحصيل، وتعزيز قدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها تجاه المواطنين.
ما بعد الاجتماع.. اختبار التطبيق
ورغم أهمية التوجيهات التي خرج بها اللقاء، إلا أن السؤال المطروح، كما تراه "العين الثالثة"، يتمثل في مدى القدرة الفعلية على تطبيق هذه الخطط على الأرض، في ظل تحديات معقدة تواجه مؤسسات الدولة، منها الفساد، وضعف البنية الإدارية، وغياب الحوكمة.
لكن مع بدء مؤشرات الانخفاض في أسعار الصرف، تبدو عدن وكأنها على مشارف مرحلة اقتصادية جديدة، شرط أن تتبع النوايا قرارات صارمة، وخطوات تنفيذية ملموسة.
في المجمل، ما يحدث في العاصمة عدن ليس مجرد اجتماع رسمي روتيني، بل لحظة فاصلة تُعيد فيها الدولة الجنوبية إنتاج أدواتها الاقتصادية، وتستعيد حضورها في معادلة القرار السيادي، كما تقول "العين الثالثة"، فهل تكون هذه بداية التحوّل المنتظر؟ الأيام وحدها ستجيب.