منذ سنوات، والعاصمة عدن ترزح تحت وطأة أزمة كهرباء خانقة تتكرر فصولها كل صيف، لكنّ ما تشهده المدينة اليوم يتجاوز حدود المعاناة المعتادة، فالأضواء التي كانت تخفت لساعات محدودة باتت تنطفئ لأيامٍ في بعض المناطق، والحرارة التي تلسع الأجساد تتكفّل بإشعال غضب الناس من عجزٍ مزمن يطال أبسط مقومات الحياة، الأمر الذي بات يهدد بشلل شبه تام للحياة اليومية في المدينة.
تراجع حاد في مستوى الخدمة
خلال الأسابيع الأخيرة، سجّلت المنظومة الكهربائية في عدن تراجعًا خطيرًا في القدرة التشغيلية، حيث وصلت ساعات الانقطاع إلى نحو 18 ساعة يوميًا مقابل ساعتين فقط من التشغيل المتقطع.
هذا الانقطاع الطويل أثّر بشكل مباشر على حياة السكان، إذ يعيش المواطنون أوضاعًا قاسية في ظل ارتفاع درجات الحرارة، وتوقف المراوح والثلاجات والمضخات، ما جعل الاحتياجات اليومية للمياه والطعام والكهرباء في آنٍ واحد أزمة مركّبة تفوق الاحتمال.
توقف محطات وتراجع الإمدادات
مصادر في مؤسسة الكهرباء أوضحت أن السبب الرئيسي للأزمة هو توقف عدد كبير من محطات التوليد عن الخدمة نتيجة النقص المزمن في إمدادات الوقود.
وتشير المعلومات إلى أن بعض المحطات تعمل بقدرات محدودة جدًا، فيما توقفت أخرى كليًا عن العمل، في ظل غياب خطة واضحة لتأمين الوقود وتشغيل المحطات بصورة منتظمة، كما أدى تراكم الديون والعجز المالي بين الجهات المعنية والموردين إلى تفاقم الوضع، ما أوجد حلقة مفرغة من الأزمات التي تتغذى على غياب الإدارة والتخطيط.
قراءة تحليلية
ترى العين الثالثة أن أزمة الكهرباء في عدن تتجاوز كونها مشكلة فنية مؤقتة، لتصبح مؤشرًا على خلل هيكلي عميق في منظومة الخدمات العامة والإدارة الاقتصادية للمدينة، فانقطاع التيار ليس مجرد نتيجة لنفاد الوقود، بل انعكاس مباشر لغياب استراتيجية وطنية للطاقة، وتضارب الصلاحيات بين المؤسسات المعنية، وتدهور منظومة الرقابة والمساءلة.
كما أن استمرار الأزمة يترك أثرًا نفسيًا واجتماعيًا بالغًا، إذ يشعر المواطن بفقدان الثقة في الوعود الرسمية، ويعيش يوميًا في مواجهة مباشرة مع واقع العتمة والعجز، ما يعزز حالة السخط الشعبي تجاه استمرار تدهور الخدمات.
انعكاسات اقتصادية وإنسانية
تسببت الانقطاعات المتكررة في تراجع الأنشطة التجارية والصناعية بشكل ملحوظ، حيث توقفت كثير من الورش والمحال عن العمل، وتكبدت المطاعم والمخابز والمشاغل خسائر فادحة نتيجة اعتمادها الكامل على الطاقة الكهربائية.
وفي القطاع الصحي، تعمل المستشفيات والمراكز الطبية بأقصى طاقتها باستخدام المولدات الاحتياطية التي تستهلك كميات كبيرة من الوقود، وسط تحذيرات من توقف بعض الأجهزة الحيوية بسبب الضغط المستمر.
البحث عن الحلول
الخبراء يجمعون على أن تجاوز هذه الأزمة يتطلب حلولًا جذرية ومستدامة تبدأ من وضع خطة استراتيجية لتأمين الوقود بشكل منتظم ومستقل عن المنح المؤقتة، إلى جانب تأهيل محطات التوليد القديمة وإنشاء مشاريع جديدة تعتمد على الطاقة الشمسية والرياح كمصدر بديل.
كما يؤكد المختصون على أهمية الإصلاح الإداري والمؤسسي داخل قطاع الكهرباء، لضمان الشفافية والمساءلة وتحقيق كفاءة تشغيلية حقيقية، بدلاً من الاعتماد على الحلول الترقيعية التي لم تثبت جدواها.
عدن بين الواقع والانتظار
في ظل هذه الظروف، يعيش سكان عدن بين مرارة الواقع وصبر الانتظار، فيما تظل آمالهم معلّقة على قرارات حاسمة تضع حدًا لمعاناتهم المتكررة.
وترى "العين الثالثة" أن إنهاء أزمة الكهرباء يتطلب إرادة سياسية وإدارية صادقة، تضع مصلحة المواطن في المقام الأول، وتتعامل مع الطاقة باعتبارها عصب الحياة لا مجرد خدمة عامة، حتى ذلك الحين، ستظل عدن مدينة تصارع العتمة، بانتظار فجرٍ يعيد للنور حقه، وللناس حياةً تستحق أن تُضاء.