بينما يعيش اليمن واحدة من أكثر مراحله السياسية دقة وتعقيدًا، تفجّرت قنبلة سياسية جديدة من واشنطن، عبر تحليل نشره معهد الشرق الأوسط للباحث الأمريكي مايكل روبن، لتفتح باب التساؤل المدوّي: هل يتعاون رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي – بشكل مباشر أو غير مباشر – مع الحوثيين؟
هذه الفرضية التي كانت تُعتبر من قبيل الهمس في الكواليس، صارت اليوم حديث مراكز بحثية دولية، لتضع المجلس الرئاسي كله أمام مرآة مشروخة، تكشف حجم الفساد والاختراق والصراع الداخلي.
المقالح.. الذراع الخفية:
التقرير الدولي سلّط الضوء على شخصية صالح المقالح، نائب مدير مكتب العليمي وصهره، والذي اعتقلته الاستخبارات السعودية مؤخرًا.. المقالح، الذي وُلد في إب باسم صالح الأهدل ثم غيّر لقبه لإخفاء أصوله الهاشمية، ارتبط اسمه بملفات فساد وتهريب منذ أن عيّنه العليمي قائدًا لخفر السواحل في عدن عام 2006، حيث اتُّهم بتهريب الديزل المدعوم إلى القرن الإفريقي.
ورغم افتضاح أمره حينها، خرج المقالح من الورطة بتدخل مباشر من العليمي، لم يتوقف الأمر هنا، بل عاد صهر الرئيس لاحقًا ليصعد إلى منصب نائب رئيس جهاز الأمن القومي عام 2015، ويؤسس لاحقًا نفوذًا واسعًا داخل مكتب الرئاسة.
جهاز موازٍ وقنوات سرية:
واحدة من النقاط التي يثيرها التقرير بجدية هي تأسيس المقالح لجهاز موازٍ تحت مسمى مركز المعلومات ودعم القرار، برئاسة فايِد أحمد العدني – ضابط يمني يحمل الجنسية الأمريكية.
هذا المركز، وفق التحليل، لم يكن مجرد مؤسسة استشارية، بل نافذة خلفية ربطت العليمي بالحوثيين، وحوّلت الصلاحيات الأمنية والعسكرية إلى شبكة موازية تعمل خارج رقابة الدولة.
التحقيق يشير أيضًا إلى اتهامات بتمرير أسلحة للحوثيين عبر المنافذ الواقعة تحت سلطة الحكومة، وإلى تقديم تقارير منحازة للعليمي نفسه، فيما جرى تهميش مدير مكتب الرئاسة يحيى الشعيبي.
ضغوط سعودية.. وصمت العليمي:
السعودية – التي تُعد الداعم الأساسي لمجلس القيادة – لم تخفِ قلقها من هذه التطورات فبحسب المعطيات، مارست الرياض ضغوطًا متكررة على العليمي لإقالة المقالح، خاصة بعد أن كشف نائب الرئيس فرج البحسني وثائق تدين الأخير بتهريب وفساد في المكلا لكن العليمي تجاهل هذه التحذيرات، ما جعل كثيرين يرون أن القضية ليست مجرد فساد إداري، بل حلقة من شبكة أوسع ترتبط بمصالح وصفقات غير معلنة.
ما وراء الخبر:
إن زوايا النظر العميقة تكشف أن القضية لا تتعلق بشخص المقالح وحده، بل بخلل بنيوي في تكوين مجلس القيادة الرئاسي، فالمجلس، بعد أكثر من ثلاث سنوات على إنشائه، لم يعد يجتمع إلا نادرًا (ثلاث مرات فقط منذ مطلع 2025)، وتحول إلى منصة صراع بين أجنحة متنافرة.
التحليل الدولي يضع علامات استفهام حول مستقبل المجلس: كيف يمكن لكيان يرأسه رجل متهم بالتواطؤ مع أقرب خصومه – الحوثيين – أن يكون عنوانًا للشرعية؟ وهل بات المجلس مجرد غطاء سياسي لاستمرار نفوذ الحوثيين بدلًا من مواجهتهم؟
سياق أكبر.. اختراقات متكررة:
الحادثة الأخيرة أعادت للأذهان سابقة أمجد خالد، القائد السابق للواء النقل، الذي اتُّهم علنًا بالتعاون مع الحوثيين والقاعدة، هذه الحالات المتكررة تؤكد أن "الشرعية" لم تنجح في حماية نفسها من الاختراق، وأن بعض قياداتها تحولت إلى أدوات لإضعاف جبهة المواجهة مع الحوثيين.
بدائل مطروحة:
مايكل روبن لم يكتفِ بالتشخيص، بل طرح خيارات بديلة: إعادة هيكلة السلطة عبر رئيس بروتوكولي، ونائبين لإدارة الجنوب والشمال المحرر، وهو مقترح يعكس إدراكًا دوليًا بأن اليمن لم يعد ساحة صراع ثنائي (شرعية/حوثي)، بل أصبح متعدد المراكز، حيث يفرض الجنوب ممثلًا بالمجلس الانتقالي الجنوبي واقعًا سياسيًا وعسكريًا لا يمكن تجاوزه.
ساعة الحقيقة:
القضية التي فجرتها اعتقالات السعودية، وأعادتها مراكز البحث الدولية إلى الواجهة، لا تتعلق بالمقالح وحده، بل بالعليمي نفسه، فحين يصبح أقرب الناس إلى الرئيس متهمًا بالعمالة والتنسيق مع الحوثيين، فإن السؤال لم يعد: هل يرحل المقالح؟ بل: هل انتهت صلاحية العليمي؟
ومع تصاعد هذه الاتهامات والضغوط، يبدو مجلس القيادة الرئاسي على موعد مع ساعة الحقيقة، إما أن يعيد تعريف نفسه ويطهّر صفوفه، أو أن ينهار تحت وطأة فضائحه، تاركًا الساحة لخصومه الذين لم يتوقفوا يومًا عن استثمار هذه الاختراقات لصالحهم.