لم تكن زيارة الرئيس القائد عيدروس قاسم الزُبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي، القائد الأعلى للقوات المسلحة الجنوبية، إلى مستشفى عبود العسكري مجرد محطة بروتوكولية عابرة، بل تحولت إلى حدث تاريخي يختزل معاني العناية بالإنسان، والوفاء لتضحيات المقاتلين الذين يصنعون بدمائهم حاضر الجنوب ومستقبله.
العيون التي رصدت المشهد، ومنها "العين الثالثة"، قرأت في هذه الزيارة ما هو أبعد من صور افتتاح قسم جديد أو وضع حجر أساس لمبنى طبي؛ إنها قراءة لمشروع متكامل يعيد الاعتبار للجندي الجنوبي، ويحوّل الرعاية الطبية إلى جبهة موازية لساحات القتال.
من "هنجر بسيط" إلى مدينة طبية متكاملة
يستحضر الكثيرون صورة قسم الرقود في مستشفى عبود قبل سنوات، لم يكن أكثر من "هنجر" حديدي يفتقر إلى أدنى معايير الطب الحديث. واليوم، بفضل دعم القيادة السياسية والعسكرية، يتبدل المشهد كليًا:
-
قسم رقود جديد بطاقة استيعابية تصل إلى 80 سريرًا، قابلة للزيادة إلى 140 قريبًا.
-
مجمع طوارئ متكامل يضم العناية المركزة وغرف العمليات الجراحية.
-
خطط استراتيجية لبناء قسم زراعة الكلى والكبد، إضافة إلى معهد عالٍ للعلوم الصحية العسكرية لتأهيل كوادر المستقبل.
مديرة المستشفى، الدكتورة رانيا علوي فرحان، قالت لـ "العين الثالثة": "اليوم نفتتح قسم الرقود العام، وهو نقلة نوعية حقيقية.. بالأمس كان مجرد هنجر، واليوم بات مركزًا حديثًا يستوعب مختلف الحالات من الجراحة إلى النساء والأطفال، وهذا بفضل دعم القيادة، بحيث أصبح المستشفى ملاذًا لكل مقاتلي القوات المسلحة الجنوبية".
عمق التحول
العميد الدكتور عارف الداعري، رئيس دائرة الخدمات الطبية للقوات المسلحة الجنوبية، وصف الحدث بقوله: "هذه أول زيارة للرئيس القائد عيدروس الزُبيدي إلى مجمع عبود العسكري، وهي بمثابة تدشين لمدينة طبية عسكرية متكاملة، مضيفًا اليوم أصبح لدينا مستشفى مركزي يحوي كوادر متخصصة، وسيظل هذا الإنجاز شاهدًا للتاريخ".
أما الدكتور محمد الكميتي، استشاري جراحة المخ والأعصاب والعمود الفقري، فأكد أن المستشفى شهد "ثورة طبية"، مضيفًا: "نجري عمليات دقيقة في مجال جراحة الأعصاب والعمود الفقري لم تكن ممكنة من قبل، المرحلة القادمة ستجعل من مستشفى عبود أحد أكبر المستشفيات التنافسية في عدن، بفضل التكاتف والدعم المستمر".
الجرحى: "المستشفى بيتنا الثاني"
أصوات الجرحى الذين التقاهم الرئيس كانت الأكثر صدقًا وتأثيرًا، الجريح عوض عبدالله علي مقبل من قوات اللواء الثالث دعم وإسناد اصيب اثناء عملية سهام الشرق بابين وادي عومران بانفجار بوزه قال لـ "العين الثالثة": "حين ترى قائدك بين سريرك وألمك، تدرك أن تضحياتك لم تذهب سدى، بصراحة مستشفى عبود اليوم ليس مجرد مستشفى، إنه بيتنا الثاني".
أما الجريح فضل عبدالله ناجي ناصر من قوات محور يافع اصيب بطلق ناري في اليدين اليمنى واليسرى فأضاف: "الأقسام الجديدة تعني لنا الأمل نحن لم نحمل السلاح لأجل أنفسنا فقط، بل لأجل مستقبل وطن، واليوم نشعر أن الوطن يرد لنا جزءًا من الوفاء".
ما وراء الزيارة.. قراءة
في رصد "العين الثالثة"، بدا واضحًا أن الزيارة تحمل رسائل متعددة:
-
رسالة للجرحى بأن القيادة معهم في السرير كما كانت معهم في الميدان.
-
رسالة للطواقم الطبية أن جهودهم ليست منسية، بل هي جزء من منظومة الصمود الجنوبي.
-
رسالة للمجتمع الجنوبي أن البنية التحتية الصحية أصبحت ضمن أولويات بناء الدولة، وليس هامشًا منسياً.
ولعل ما يميز هذه اللحظة أن مستشفى عبود لم يعد مجرد مبنى علاجي، بل رمزًا وذاكرة وطنية؛ من داخله تمر حكايات الجرحى الذين كتبوا بدمائهم سطور الجنوب الجديدة، ومن جدرانه تخرج خطط لتحويل الطب العسكري إلى قوة موازية للقتال.
المستقبل: مدينة طبية عسكرية
الرئيس الزُبيدي وضع حجر الأساس لقسم زراعة الكلى والكبد والمعهد العالي للعلوم الصحية العسكرية، في خطوة تؤكد أن الرؤية ليست قصيرة المدى، بل ممتدة لبناء مدينة طبية عسكرية.
العميد الدكتور عارف الداعري كشف لـ "العين الثالثة" أن الخطة المستقبلية تشمل:
-
إنشاء أقسام متخصصة في جراحة القلب والأوعية الدموية.
-
توسيع مراكز التأهيل الطبي والنفسي لجرحى الحرب.
-
تدريب أطباء شباب في الداخل والخارج عبر المعهد الجديد.
عبود.. مرآة للجنوب الجديد
في النهاية، ما رصدته "العين الثالثة" يختصر معادلة الجنوب اليوم: بندقية تقاتل في الجبهات، ويد طبية تعيد الحياة لمن نزفوا على خطوط النار.
عبود العسكري لم يعد مجرد اسم لمستشفى في عدن، بل صار عنوانًا لمرحلة كاملة؛ مرحلة تُعيد تعريف العلاقة بين الجندي والدولة، بين التضحية والوفاء، وبين الماضي الذي كان فيه "هنجر" بائس، والحاضر الذي يبشر بـ"مدينة طبية متكاملة".. هكذا تتحول المؤسسات إلى شواهد للتاريخ، وهكذا تتحول الزيارة إلى محطة مفصلية في مسار بناء الدولة الجنوبية.
اخبار وتقارير -
الزُبيدي يبحث مع السفير الأمريكي مسار الإصلاحات والتعافي الاقتصادي وسط تصاعد تهديدات الحوثيين