آخر تحديث :الأحد - 20 يوليو 2025 - 12:15 ص

اخبار العالم


قانون الإيجار القديم في مصر.. جيل جديد من النزاع السكني

الأحد - 20 يوليو 2025 - 06:08 م بتوقيت عدن

قانون الإيجار القديم في مصر.. جيل جديد من النزاع السكني

العين الثالثة/ متابعات

على مدار عقود طويلة، ظلّ قانون الإيجار القديم واحداً من أعقد الملفات الاجتماعية والاقتصادية في مصر، إذ تسبب في انقسام واسع بين ملاك يرون أن حقوقهم مهدرة، ومستأجرين يعتبرون أن أي تعديل يهدد استقرارهم ومصير أسرهم.

استمرت العلاقة الإيجارية الممتدة دون سقف زمني واضح، مع ثبات شبه دائم في القيمة الإيجارية، ما خلق حالة من الجمود في سوق العقارات، وأدى إلى تدهور العديد من المباني القديمة في ظل غياب الصيانة والمشاركة العادلة في التكاليف.

أمام تعقيد الأزمة وتزايد الأصوات المطالبة بالحسم، تدخل المشرّع مؤخرًا لمحاولة تنظيم العلاقة بين الطرفين، بإقرار قانون جديد للإيجار القديم، يهدف -بحسب البرلمان- إلى تحقيق التوازن بين الحقوق، وإنهاء التشوهات التي خلّفتها عقود الإيجار الممتدة لعقود.

وفي 2 يوليو/تموز 2025، أقرّ مجلس النواب المصري نهائيًا مشروع قانون تعديل الإيجار القديم، وذلك بحضور رئيس المجلس المستشار حنفي جبالي، في خطوة وُصفت بأنها "محورية" تهدف إلى إنهاء العلاقة الإيجارية الممتدة منذ عقود، وتنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر بما يراعي التغيرات الاقتصادية والاجتماعية.

وينص القانون على فترة انتقالية مدتها 7 سنوات لعقود السكن، و5 سنوات للعقود غير السكنية، يعقبها إخلاء الوحدة، مع تطبيق زيادات فورية في القيمة الإيجارية تتراوح بين 10 إلى 20 ضعفًا، بحسب تصنيف المنطقة.

وحدات عقارية في وسط العاصمة المصرية - صورة أرشيفية

أبرز بنود القانون

الفترة الانتقالية: 7 سنوات للسكن، 5 سنوات لغير السكن.

الزيادات الفورية: 20 ضعفًا في المناطق المتميزة، 10 أضعاف في المناطق المتوسطة والاقتصادية (بحد أدنى 1000 جنيه، 400 جنيه، و250 جنيهًا على الترتيب).

زيادة سنوية بنسبة 15% خلال فترة الانتقال.

حق الإخلاء إذا امتلك المستأجر وحدة سكنية أخرى، أو في حال ترك الوحدة مغلقة لأكثر من عام.

أولوية الحصول على وحدة بديلة من الدولة قبل تنفيذ الإخلاء.

إلغاء القوانين القديمة (قوانين 49 لسنة 1977، و136 لسنة 1981، و6 لسنة 1997) بعد مرور 7 سنوات على سريان القانون الجديد.

ويُنتظر أن يُرفع القانون لرئيس الجمهورية خلال أغسطس 2025 للتصديق عليه، تمهيدًا لنشره في الجريدة الرسمية ودخوله حيّز التنفيذ.

من "الإيجار الأبدي" لعصر الإصلاح
بدأت الأزمة منذ صدور قانون 49 لسنة 1977، الذي تلاه قانون 136 لسنة 1981، مع امتداد تلقائي غير محدود لعقود الإيجار (توريث دون حد زمني)، وثبات الأجرة مقابل غلاء المعيشة.

أحكام المحكمة الدستورية القاطعة
نوفمبر/تشرين الثاني 2002: حدّدت المحكمة إمكانية انتقال عقد الإيجار إلى جيل واحد فقط -الزوجة والأبناء والوالدين- شرط إقامة هادئة قبل الوفاة.

نوفمبر/تشرين الثاني 2011: أكدت نفس الحكم وألغت التوريث المتكرر.

نوفمبر/تشرين الثاني 2024: قضت بعدم دستورية تثبيت الإيجار سنويًا وتحديد نسبة ثابتة غير قابلة للمراجعة الخاضعة لتدخل تشريعي.

المحكمة شددت أن أحكامها ملزمة، لا يجوز تعطيلها بالقوانين الاستثنائية، ولها قوة نافذة على جميع السلطات.

الاستعداد لدعاوى "عقبة في التنفيذ"
يتوقع اللجوء إلى آلية الدعوى ضد نصوص القانون التي تعرقل تطبيق القرارات الدستورية، مثل "فترة السماح" وحق الإخلاء لحيازة وحدة أخرى، في محاولة لإلغاء تلك البنود أمام المحكمة العليا.

وحدات عقارية في وسط العاصمة المصرية - صورة أرشيفية

عقد إيجار بـ40 جنيهًا منذ الثمانينيات
منذ أوائل ثمانينيات القرن الماضي، وبالتحديد عام 1981 أو 1982، بدأت العلاقة الإيجارية بين إحدى مالكات العقارات بمحافظة دمياط المصرية ومستأجر استقر في الوحدة مقابل 40 جنيهًا شهريًا. على مدار سنوات، تقول مالكة العقار لـ"العين الإخبارية" ظل الرقم ثابتًا تقريبًا، مع زيادة طفيفة ليصل الإيجار إلى 45 جنيهًا، بعد مفاوضات محدودة.

لكن حين حاولت المالكة إنهاء العلاقة الإيجارية، قوبلت بممانعة تامة. المستأجر لم يغادر، بل عاد يدفع القيمة القديمة كما هي، دون أي تعديل يواكب الزيادات المستمرة في أسعار المعيشة أو العقارات.

ورغم وفاة المستأجر منذ عامين، لم يتغير شيء. الورثة استمروا في شغل العين، ولا يزال الوضع القانوني معلقًا، في ظل غياب آلية واضحة لفسخ العقود القديمة أو تحرير العلاقة الإيجارية. وفي محاولة للتوصل إلى تسوية ودية، عُرض اتفاق جديد يرفع قيمة الإيجار إلى 300 جنيه شهريًا، لكن دون سند قانوني صريح، في ظل عدم وضوح مصير القانون الجديد أو آليات تطبيقه.

معاش لا يكفي وسقف مهدد بالضياع.. قلق مستأجر قبل تطبيق الإخلاء
قلق عميق يسيطر على محسن ريان، أحد المستأجرين القدامى بمنطقة الرمل في محافظة الإسكندرية. يبلغ من العمر حاليًا 56 عامًا، ويقيم في شقة استأجرها والده قبل صدور قانون الإيجار الجديد لعام 1996، ما يجعله مستأجرًا أصليًا وفق أحكام القانون القديم.

حين يحين موعد الإخلاء بعد 7 سنوات، سيكون قد تجاوز الثالثة والستين من عمره، وسيكون وقتها على المعاش، لا يتقاضى سوى 2000 جنيه، مبلغ لا يكفي -على حد تعبيره- لتأمين سكن بديل أو دفع إيجار في سوق العقارات الحالية.

من وجهة نظره، من المستحيل أن تتمكن الدولة من توفير وحدات سكنية لجميع المتضررين من القانون، ببساطة لأن الميزانية لا تحتمل. وعلى الرغم من قلقه، لا يرفض فكرة تعديل الإيجار، بل يراها خطوة ضرورية إذا ما تم تنفيذها بعدالة، بما يتناسب مع حالة العقار والمنطقة، مع مراعاة ظروف الأرامل وكبار السن والمتقاعدين، الذين لا يملكون دخلًا ثابتًا يسمح لهم بتحمل أعباء إضافية.

ويرى ريان في حديثه لـ "العين الإخبارية" أن الحل لا يكمن في الصدام أو الإخلاء القسري، بل في التشارك، مؤكدًا أهمية تفعيل اتحاد الشاغلين للمساهمة في صيانة العقارات، بحيث يتعاون المستأجر والمالك للحفاظ على سلامة المبنى، بدلًا من تركه ينهار على الجميع.

قانون الإيجار الجديد يصطدم بأحكام "الدستورية العليا"
رغم عدم تصديق رئيس الجمهورية على قانون الإيجارات القديمة حتى اللحظة، إلا أن المستشار محمود العسال يرى أن القانون، بصيغته الحالية، يمثل تهديدًا مباشرًا لقدسية أحكام المحكمة الدستورية العليا، والتي تُعد المرجع النهائي والفاصل في النزاعات بين سلطات الدولة الثلاث، وتتمتع أحكامها بقوة مُلزمة لا تقبل التجزئة أو الانتقاء.

في رؤيته القانونية، تتعامل الصياغة الحالية للقانون -خاصة ما يتعلق بفترة السماح البالغة 7 سنوات، وبند إخلاء العين إذا امتلك المستأجر عقارًا آخر– باعتبارها عقبات صريحة أمام تنفيذ أحكام صادرة من "الدستورية العليا" في عامي 2002 و2011، وهي أحكام حسمت الموقف من تلك البنود وأكدت بطلانها لمخالفتها مبدأ الإرادة الحرة وحق السكن.

يرجّح العسال في حديثه لـ"العين الإخبارية" أن التصديق على القانون مسألة وقت، لكنه في المقابل، يطرح تحركًا قانونيًا يوشك أن يبدأ: دعوى "عقبة في التنفيذ"، وهي آلية دستورية تنظرها المحكمة العليا عند صدور تشريعات تُعيق نفاذ أحكامها. وبموجب هذه الدعوى، سيتجه عدد من المستأجرين للطعن على المادة الخاصة بفترة السماح، إلى جانب النص الذي يسمح بإخلاء العين المؤجرة حال امتلاك المستأجر لوحدة أخرى، رغم أن المحكمة سبق وأن قضت بعدم دستوريته في قوانين سابقة، معتبرة أن امتلاك المواطن لأكثر من مسكن لا يُبرر المساس بحقه في الإقامة أو الإخلاء الجبري.

تفسير المحكمة الدستورية للأحكام السابقة لم يكن قابلاً للتأويل، بل جاء واضحًا في أنه لا يجوز بأي حال تعطيل نفاذ أحكامها، أو الالتفاف عليها بتشريعات لاحقة، حتى وإن صدرت من البرلمان. فسلطة المحكمة -وفقًا للدستور- مطلقة وتعلو على كافة المؤسسات، ولا يُمكن تعطيلها بموجب قوانين جديدة، وهو ما يجعل بعض بنود القانون الجديد محل شبهة دستورية.

التحرك المنتظر -بحسب العسال- لا ينطلق فقط من تمثيل فئة المستأجرين، بل يأتي دفاعًا عن مبدأ دستوري يتعلق بالفصل بين السلطات واحترام سيادة المحكمة الدستورية العليا، التي تمثل الجهة الفاصلة والملزمة في تفسير القوانين. وتجاهل هذه الأحكام لا يُعد فقط تجاوزًا قانونيًا، بل تهديدًا مباشرًا لاستقرار المنظومة التشريعية بأكملها.

في جوهر الموقف، لا يُطرح الطعن بوصفه اعتراضًا شخصيًا أو نزاعًا على ملكية، بل باعتباره واجبًا دستوريًا لحماية أحكام قضائية نهائية، والتصدي لأي محاولة لتقليص سلطتها أو الالتفاف على نصوصها، حتى وإن جاء ذلك في صورة قانون صادر عن مجلس النواب.

لا مفاجآت
تلفت الخبيرة المصرفية سهر الدماطي، نائب رئيس بنك مصر سابقًا، إلى أن تداعيات قانون الإيجار القديم، بمجرد إقراره، ستكون كبيرة على سوق العقارات، لكنها في الوقت نفسه ليست مفاجئة، إذ إن الحديث عن ضرورة تعديل هذا القانون يعود إلى ما يزيد عن عشرين عامًا، غير أن التنفيذ لم يكن مطروحًا بجدّية إلا مؤخرًا.

تشير الدماطي إلى أن عددًا كبيرًا من العقارات المؤجّرة تعود لملاك توفوا منذ زمن، واستمرّ فيها الأبناء أو الأحفاد كمستأجرين بأسعار رمزية، في وقت يُقدّر فيه قطاع العقارات السكنية -الذي يشمل وحدات الإيجار القديم- بنسبة تتراوح بين 22 إلى 23% من إجمالي الناتج القومي لمصر.

الأحياء الشعبية في قلب الأزمة
تُركّز الخبيرة المصرفية على طبيعة المناطق التي تنتشر فيها وحدات الإيجار القديم، موضحة أن الغالبية العظمى تقع في الأحياء الشعبية، أو ما يُعرف بـ"الطبقة المتوسطة الدنيا"، في حين تمثل الوحدات الواقعة في مناطق مثل مصر الجديدة، الزمالك، وهليوبوليس، نسبة أقل بكثير، وغالبًا ما تكون مشمولة باتفاقات فردية أو طُوّرت مع الوقت.

بدائل مغرية
وفي ظل الطفرة الحالية في حركة البناء، ترى أن السوق بات يوفر بدائل واقعية للشرائح التي قد تتأثر بخروجها من وحدات الإيجار القديم. فالمطورين العقاريين، بحسب وصفها، يطرحون الآن أنظمة سداد وتسهيلات غير مسبوقة – منها الدفع بالتقسيط على 12 سنة دون مقدم -وهو ما يعكس تغيرًا كبيرًا في فلسفة العرض العقاري.

وبالنسبة للشرائح محدودة الدخل، خاصة المقيمة في المناطق الشعبية، تتوقع الدماطي أن يكون التوجه نحو مشروعات الإسكان المدعوم، والتي تقودها الدولة، مشيرة إلى دور صندوق الإسكان الاجتماعي، باعتباره الجهة التي تمتلك الرؤية والأدوات للتعامل مع هذه الفئة، وتوفير البدائل الملائمة لها في مختلف المحافظات.

شاهد أيضًا

عدن على حافة فقدان أملٍ طبي.. "وحدة المناظير" في مستشفى الصد ...

الأحد/20/يوليو/2025 - 10:30 م

في قلب العاصمة عدن، وتحديداً داخل مركز الأورام بمستشفى الصداقة، تقاوم "وحدة المناظير" في صمت الانهيار الوشيك الذي يهدد بقاءها، وسط ظروف اقتص


جنوبٌ على حافة التحوّل.. ما بين هيكلة القوة وبناء السيادة ...

الأحد/20/يوليو/2025 - 10:00 م

في زمن التقلّبات الإقليمية والعواصف الداخلية، لا تُولد الدول إلا من رحم النظام والانضباط، ومن هنا، يعيد الجنوب ترتيب بنيته العسكرية ليس كاستعراض قوة،


الرئيس الزُبيدي يعين أنور التميمي ناطقًا رسميًا باسم المجلس ...

الأحد/20/يوليو/2025 - 09:09 م

أصدر الرئيس القائد عيدروس قاسم الزُبيدي رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، اليوم الأحد الموافق 20 يوليو، القرار رقم (14) لعام 2025، قضت مادته الأولى بتعيي


وحدة القيادة ليست رفاهية.. الزُبيدي يعيد تعريف دور القائد في ...

الأحد/20/يوليو/2025 - 09:00 م

في اللحظات الفارقة من مسار الشعوب، لا تُقاس قوة الجيوش بعدد البنادق، بل بمدى وعي القادة ووضوح البوصلة، وفي الجنوب، حيث تتقاطع المعركة مع المشروع، يقدّ